إستمرار الضغط من الحقوقيين والصحفيين التونسيين لتعديل المرسوم 54 المثير للجدل
يواصل كل من نقابة الصحفيين التونسيين وعدد من الحقوقيين والسياسين الضغط والدعوة إلى مراجعة المرسوم 54 المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة الإتصال والمعلومات.
وفي هذا السياق نظمت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين الأربعاء المنقضي، جلسة حوارية عن المرسوم 54 شارك فيها ممثلون عن الهيئة الوطنية للمحامين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وحضرها نواب من مجلس نواب الشعب وخبراء في القانون وصحفيون وممثلون عن منظمات المجتمع المدني.
وقد ناقش اللقاء المآزق التطبيقية والإجرائية للمرسوم 54 والتي تحولت إلى أداة لتصفية الخصومات السياسية و التخويف والترهيب وسلب الحريات، كما حمّل المشاركون رئاسة البرلمان مسؤولية ما سمّوه بصناعة كل العراقيل غير القانونية لعدم تمرير مقترح تعديل المرسوم للجنة المختصة ومصادرة واجب البرلمان في حماية الحقوق والحريات.
وبين الأستاذ أيمن الزغدودي، في قراءة قانونية للمرسوم، تعارض البعض من فصوله مع دستور البلاد والمواثيق الدولية التي أمضتها تونس، الأمر الذي يستدعي تحويرا جذريا سريعا.
إتهامات بالمماطلة لرئاسة البرلمان
قال النائب محمد علي سليمان بإنه من غير المعقول أن يواصل مكتب البرلمان المماطلة في تمرير مشروع هذا القانون، خاصة بعد إجراء الإنتخابات الرئاسية والإنتهاء من النظر في قانون المالية لسنة 2025 ،مشددا على أن المرسوم الرئاسي إكتسى طابعا سياسيا ولم يعد مجرد إجراء ردعي لمكافحة الجريمة السيبرانية.
كما كشف، نفس المصدر، عن النية في تقديم طلب إستعجال نظر جديد للمبادرة التشريعية المتعلقة بتنقيح المرسوم 54 ،والضغط أكثر من أجل تمريرها إلى لجنة التشريع العام بالبرلمان قبل عرضها على جلسة عامة.
ويذكر أن رئيس البرلمان، إبراهيم بودربالة ،قد تعهد في جوان الماضي بإعادة النظر في هذا المرسوم ،بعد إنتهاء الإنتخابات الرئاسية، المقررة في شهر أكتوبر المنقضي.
عزم من السلطة على تطبيق المرسوم
وإستبعد الحقوقي والمحلل السياسي صلاح الدين الجورشي أن تلقى هذه الضغوطات صدى لدى النظام الحالي بخصوص المرسوم 54، معتبرا أن جميع الدلائل تشير إلى تمسك السلطة بتنفيذ أحكام هذا المرسوم حتى في وضعيات كان يمكن تجاوزها أو التعاطي معها بأسلوب ردعي غير السجن ،وأن ما يجري هو محاولة من السلطة لإجبار الجمعيات والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني على الإلتزام بأحكام المرسوم 54 ، وإن بدت غير منطقية.
من جهة أخرى أكد الرئيس التونسي قيس سعيد، أنه “يرفض المساس بأي كان من أجل فكرة، فهو حر في اختياره وحر في التعبير”، نافيا “تتبع أي شخص من أجل رأي” قائلا “نرفض رفضا قاطعا أن يرمى بأحد في السجن من أجل فكره فهي مضمونة في الدستور”.
مرسوم مثير للجدل يلاحق الجميع
وقد أصدر الرئيس قيس سعيد في سبتمبر2022 ، مرسوماً عُرف بـ”المرسوم 54″، وينص الفصل 24 على “العقاب بالسجن لمدة خمسة أعوام وغرامة تصل إلى خمسين ألف دينار، لكل من يتعمد إستعمال شبكات وأنظمة المعلومات والإتصال لإنتاج، أو ترويج، أو نشر، أو إرسال، أو إعداد أخبار، أو بيانات، أو إشاعات كاذبة، أو وثائق مصطنعة، أو مزورة، أو منسوبة كذباً للغير، بهدف الإعتداءات على حقوق الغير أو الإضرار بالأمن العام أو الدفاع الوطني”.
وخلال سنة ونصف، حوكم أكثر من 60 شخصاً، بينهم صحفيون ومحامون ومعارضون للرئيس، بموجب هذا المرسوم، وفق النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين، وحسب إحصاء “هيومن رايتس ووتش” و”منظمة العفو الدولية”، لا يزال 40 منهم على الأقل، خلف القضبان حتى ماي الماضي، معظمهم يقبع في السجن على خلفية ممارسة حقوق في الأصل يكفلها الدستور، علماً أن المنظمتين تقولان إن أكثر من 70 شخصاً، قد حوكموا وفق هذا المرسوم.
ويتفق الصحفيون والحقوقيون في تونس، على أن المرسوم 54 ورد عمداً، ضبابياً وغامضاً وحاملاً عبارات فضفاضة وهو ما وفر الفرصة للأجهزة الأمنية والقضائية لإستغلال غموض الأفعال المجرّمة وضبابية العبارات المتعلقة، لتستمر في تتبعاتها وأحكامها القضائية، التي باتت تضيق الخناق أكثر فأكثر على حرية التعبير على كل الشرائح.