ياسر عرفات الزعيم والإنسان ذو النهاية الحزينة
رحل ياسر عرفات في الحادي عشر من عام 2004 بعد معاناة مع المرض، وسط غموض يلف الأسباب الحقيقية للوفاة، وتعددت الروايات وقتها فمنها من اعزى موته لتليُّف في الكبد، ومنها من قال إن ذلك قد حدث بسبب نزيف دماغى، لكنّ الرواية الأكثر تداولا كانت فرضية الاغتِيال والغريب في الأمر انه لم يتمّ تشريح الجثة، للحصول على معلومة ثابتة ويوجه الشعب الفلسطينى اصبع الاتهام إلى الإحتلال الإسرائيلى بقتل ياسر عرفات بواسطة السُّم
وكانت القيادة الفلسطينية قد شكلت لجنة تحقيق رسمية من أجل كشف ملابسات الوفاة لكنها لم تعلن صراحة حتى كتابة الكلمات أي نتائج واضحة على الرغم من التصريحات التي وردت على لسان رئيسها توفيق الطيراوي في أكثر من مناسبة، والتي قال فيها إن «بيانات وقرائن تشير إلى أن إسرائيل تقف خلف اغتياله»، وفي 25 من نوفمبر 2012، قام خبراء روس وفرنسيون وسويسريون عينات من جثمان عرفات، بعد فتح ضريحه في رام الله، للكشف عن سبب الوفاة، وبالرغم من وجود غاز «الرادون» المشع في العينات، فإن الخبراء الروسيون والفرنسيون قد إستبعدوا فرضية الإغتيال،فيما كشف معهد «لوزان السويسري» للتحاليل الإشعاعية عن وجود «بولونيوم مشعّ» في رفاة الرئيس الفلسطيني الراحل مقدرين بأنه مات مسمومًا بهذه المادة وحسب السلطات الفرنسية فلا أحد مخول بالافصاح عن نتائج التحاليل غير زوجته سهى عرفات التي خيرت الصمت وعدم الخوض في الموضوع
ياسر عرفات أو ابو عمار كما كان يناديه الكثيرون، صاحب التاريخ النضالي الطويل ورمز معركة التحرير الفلسطينية حيث خاض العديد من المعارك السياسية والعسكرية التي أحدث تحولا مهما في القضية الفلسطينية رحل ياسر عرفات بعد خمسون عاما من النضال أسس فيها نهجا صلبا في مقاومة الإحتلال
من هو ياسر عرفات؟
هو محمد عبد الرحمن بن عبد الرؤوف بن عرفات القدوة الحسيني اسمه الأول محمد عبد الرحمن، واسم والده عبد الرؤوف وجده عرفات، أما القدوة فهو اسم العائلة، والحسيني هو اسم قبيلة عائلة القدوة وفي الخمسينيات بدأ يستخدم اسم ياسر عرفات، واختار أبو عمار كاسم حركي له فيما كان يفضل اسم الختيار، واختار اسميه الإثنين على اسم الصحابي الجليل عمار بن ياسر وعلى الرغم من تركه لأسماء عدة، فقد احتفظ باسم عرفات لدلالاته في الإسلام وشبهه باسم جبل عرفات
لم يُعرَف بالتحديد مكان ولادته، ولكن التقارير المتوفرة تشير إلى أنه قد وُلد في القاهرة في الـ 4 من أوت سنة 1929 من عائلة فلسطينية هو سادس إخوته أمه من عائلة الحسيني المقدسيةو المعروفة وجدته مصرية وكان والده قد إنتقل إلى القاهرة سنة 1929 ليستقر بحي السكاكيني ويعمل بميدان تجارة الأقمشة ،توفيت والدته نتيجة قصور كلوي وقد ارسله والده حينها إلى القدس المحتلة وهو في الرابعة من عمره مع شقيقه فتحي ليعود للعيش مع عائلته في القاهرة سنة 1937 اثر زواج والده وقداتسمت علاقته بعد ذلك بوالده بالتوتر حتى انه لم يحضر جنازته
تلقى تعليمه الأساسي والمتوسط في القاهرة اين إكتسب لهجته المصرية التي لم تفارقه طوال حياته تردد في شبابه على المنفيين الفلسطينيين وكان مقربا من اوساط المفتي امين الحسيني كما سعى الي مخالطة اليهود معللا ذالك بمحاولة معرفة عدوه وهو مازاد علاقته بوالده توترا
التحق بكلية الهندسة في جامعة الملك فؤاد، جامعة القاهرة حاليًا، وتخصص بدراسة الهندسة المدنية أين أسس رابطة الخرّيجين الفلسطينيين، التي كانت محط اهتمام كبير من وسائل الإعلام المصرية آنذاك، وشارك في معارك صد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 وتخرج منها عام 1951، وعمل بعدها في إحدى الشركات المصرية
في 1957 هاجر إلى الكويت ليعمل كمدرس وهناك بدأ عرفات بتشكيل مجموعات من أصدقائه الذين لجأوا إلى الكويت قادمين من غزة، وتطورت تلك المجموعات حتى كون حركة فتح
تزوج ياسر عرفات في سن متأخّرة من مساعدته سهى الطويل، وأنجب منها ابنته الوحيدة
أبو عمار والسياسة
كانت أولى محطات ياسر عرفات السياسية في عام 1952، عند انتخابه رئيسًا لاتحاد الطلاب الفلسطينيين في القاهرة، وفي أكتوبر 1959 أسس مع عدد من رفقائه حركة التحرير الوطني الفلسطيني، فتح التي اعتمد تمويلها في البداية على مقتطعات من رواتب المغتربين الفلسطينيين و قد رفض عرفات الدعم المقدم من الحكومات العربية، حتى لا يبقى مضطرًا إلى اتباع نفس أيديولوجياتهم والوقوف تحت مظلة أفكاره
تم سجن عرفات مع بعض قيادات فتح في سوريا وقد استغل الموقف ليرسي سياسة تعتمد على البدء بمقاومة مسلحة ضد إسرائيل وجند الرأي العام العربي لصالح القضية الفلسطينية كما بعث روح الكفاح والمقاومة والإعتماد على الذات بين صفوف الشعب الفلسطيني، فتحول الشعب الفلسطيني من شعب مشرد في المنافي إلى شعب محارب يأخذ مصيره على عاتقه، وكان لهذه السياسة تأثير كبير على وعي الشعب الفلسطيني وعلى تشكيل هويته الوطنية
،وقد انطلقت الحركة في النشاط فعليا في جانفي 1965، إثر تنفيذ أولى عملياتها المسلحة، عندما قام أحد عناصرها بتفجير نفق داخل الأراضي الفلسطينية مما أسفر عن جرح جنديين إسرائيليين
قبِل بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 في أعقاب هزيمة 1967 بالرغم من معارضته للوجود الإسرائيلي وقضى القرار بانسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة حديثا
وفي 3 فيفري 1969، تولى ياسر عرفات رئاسة المجلس التنفيذي لمنظمة التحرير الفلسطينية في إجتماع المجلس الوطني الفلسطيني المنعقد في القاهرة خلفًا ليحيى حمودة الرئيس السابق للمنظمة. وأصبح بذلك القائد الأعلى لمنظمة التحرير الفلسطينية، التي كانت تضم عدة تنظيمات فلسطينية، واستمر بتولي هذا المنصب حتى وفاته
أصبح ياسر عرفات القائد العام للثورة الفلسطينية في 1971 ثم أصبح بعد ذلك رئيس الذراع السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية في 1973
في 1 مارس عام 1973، أعلنت الحكومة الأمريكية وإسرائيل أن ياسر عرفات مطلوب دوليًا لإتهامه بالوقوف وراء قتل 5 دبلوماسيين وشخصًا آخر في الهجوم الذي نفذته منظمة أيلول الأسود على السفارة السعودية في الخرطوم
ومابين سنتي 1973 و1974 أغلق عرفات منظمة أيلول الأسود التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، وأمرهم بالابتعاد عن أعمال العنف خارج قطاع غزة والضفة الغربية
وفي نوفمبر 1974 وخلال مؤتمر القمة العربي السابع في المغرب، أُعلن أن منظمة التحرير الفلسطينية هي «الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني»، وتم قبولها كعضوٍ كامل الصلاحية في جامعة الدول العربية. وفي نفس السنة ألقى عرفات خطبة في الأمم المتحدة كأول شخص في منظمة غير رسمية يقوم بذلك وتوجه بخطاب شهير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، منددا في كلمته بالصهيونية، وقال عبارته الشهيرة الموجهة لإسرائيل إن المسدس في يدي وغصن الزيتون في اليد الأخرى، فلا تسقطوا غصن الزيتون من يدي، وقد كسب هذا الخطاب تعاطفا دوليا
رفض عرفات خطة تقسيم فلسطين التي أقرتها الأمم المتحدة، ولكنه قبل بسياسة المراحل مع إقامة دولة فلسطينية فوق أي ارض محررة
عارض في 17 ديسمبر 1978 اتفاقية كامب ديفد والتي كانت تحتوي بنودا تعطي الشعب الفلسطيني الحق في إقامة حكم ذاتي داخل الأراضي الفلسطينية
أعلن استقلال دولة فلسطين للمرة الثانية في 15 نوفمبر 1988 من طرف منظمة التحرير الفلسطينية، في الدورة 19 للمجلس الوطني الفلسطيني والمنعقدة في قاعة قصر الصنوبر في الجزائر العاصمة. وهو الثاني بعد إعلان الاستقلال وإقامة حكومة عموم فلسطين في المؤتمر الفلسطيني الذي عقد في غزة في أكتوبر 1948
عام 1988 اعلن المجلس الوطني الفلسطيني من العاصمة الجزائرية تشكيل حكومة مؤقتة بعد قراره بقيام الدولة الفلسطينية على التراب الفلسطيني، وعاصمتها القدس
أطلق ياسر عرفات مبادرته للسلام العادل والشامل في الشرق الأوسط، والتي كان قد أقرها المجلس الوطني الفلسطيني، والتي تعتمد إقامة دولة فلسطينية في الأراضي التي احتلت 1967 تعيش جنبا إلى جنب، مع دولة إسرائيل
تعرض إلى حادث طائرة في أفريل 1991 في الصحراء الليبية مما أصابه بارتجاج في المخ كانت نتيجته رجفة شفته السفلى حتى وفاته ويذكر انه قد فقد ثلاثة من مرافقيه في هذه الحادثة
قام ياسر عرفات سنة في 1993 بوصفه رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بالإعتراف رسميا بإسرائيل، في رسالة رسمية إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي اسحق رابين في المقابل إعترفت إسرائيل بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني وذلك في إطار الإعلان عن اتفاقية أوسلو التي سبقتها مفاوضات سرية بين الجانبين
تحصل رفقة رفقة اسحاق رابين وشمعون بيريز على جائزة نوبل للسلام في 1994 إثر اتفاقية أوسلو
تحصل على 83% من الأصوات في إنتخابات 1996 كرئيس لسلطة الحكم الذاتي في أول انتخابات عامة في فلسطين
رفض أبو عمار التوقيع على ماورد في معاهدة كامب ديفد سنة 2000 حيث اعتبر المقترح منقوصا ولا يلبي من وجهة نظره السقف الذي يطمح له الفلسطينيون وهو أراضي عام 1967 بما فيها القدس الشرقية
أدانت الفصائل الإسلامية وبعض القوى اليسارية والعضوة في منظمة التحرير الفلسطينية التنازلات التي قُدمت للحكومة الإسرائيلية، وأصبحوا من المعارضة وهو ما أدى الى تدني شعبية عرفات وإتهم بالفساد وسوء الإدارة الأمنية والمالية والمدنية والمؤسساتية في إدارة شؤون الفلسطينيين داخل أراضي السلطةفي المقابل بدأت شعبية حركة حماس في تلك الفترة في الصعود خصوصًا في قطاع غزة، بسبب شعور الكثير من الفلسطينيين بالإحباط مما وصلت إليه أوضاعهم الأمنية والمعيشية من سوء خاصة بعد رفضها لمعاهدة أوسلو
حوصر في مقر حزبه برام الله مدة سنتين رفقة عدد من مرافقيه وعناصر من الشرطة وتمت مظايقته من طرف الجيش الإسرائيلي في نهاية أكتوبر2004 تدهورت الحالة الصحية للرئيس الفلسطيني عرفات تدهورًا سريعًا وقد قامت طائرة مروحية على إثر ذلك بنقله إلى الأردن ومن ثمة أقلته طائرة أخرى إلى المستشفى العسكري بيرسي في فرنسا عندها ظهرت صور الرئيس الفلسطيني على شاشة التلفاز مصحوبًا بطاقم طبي وقد بدت عليه معالم الوهن والمرض